فصل: المانع الثالث: ظهور ما يدل على الرضى بالعيب من قول أو سكوت أو فعل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.المانع الثالث: ظهور ما يدل على الرضى بالعيب من قول أو سكوت أو فعل:

أما القول فظاهر، وأن السكوت فهو التقصير عند الاطلاع على العيب، فإذا تمكن من رد المعيب فسكت عنه من غير عذر بطل خياره، ولم تبق له مطالبة بالأرش لتقصيره. وترك التقصير أن يرد مع التمكن وعدم العذر إن كان البائع حاضراً، فإن كان غائباً استشهد شاهدين بالرد، فإن عجز حضر عند القاضي فأعلمه، ثم القاضي يكتب إلى البائع إن قربت غيبته، وإن كانت غيبة بعيدة تلوم له إن رجا قدومه، فإذا لم يرج قدومه قضى عليه إن أثبت المشتري أنه اشترى على بيع الإسلام وعهدته.
وأما الفعل فهو أن يتصرف في المبيع أو يستعمله بعد علمه بالعيب تصرفاً أو استعمالاً لا يقع في العادة إلا رضى من المشتري بالتمسك بالمبيع، وما كان من التصرف مشكلاً لم يقض عليه بكونه علماً على الرضى. هذا هو الأصل المعتبر في أمثال هذا.
فأما اختلاف الرواية في تصرف المضطر فإن ابن القاسم روى أن المسافر إذا اطلع على عيب بالدابة فركبها إلى أن قدم بها على صاحبها فإن ذلك لا يسقط حقه في الرد قال وليس عليه أن يقودها، ويكري غيرها. وروى أشهب: أن ذلك رضى منه.
وسبب الخلاف: هل يعد كالمكره أم لا؟
فرع:
الاستعمال المأمور بتركه هو الاستعمال المنقص، كاستعمال الثوب يلبسه، فأما ما لا ينقصه الاستعمال كالدار وشبهها، فلا يلزمه إخلاؤها، بل يبقى على استعمالها، وهو يخاصم لأن ذلك غلة وخراج، والخراج بالضمان، وضمانها منه.
وأما الحيوان فإن كان جارية فيترك وطأها، لأن الوطء إنما يباح فيما يستقر ملكه فليس له وطؤها وهو يرد نقض البيع فيها.
وأما الحيوان غير الجارية من عبد أو دابة فالمشهور أنه يترك استعمالها. وذهب ابن حبيب إلى أنه لا يمنع من استخدام العبد وركوب الدابة قياساً على العقار، لأن الخراج له والنفقة عليه، فلا يمنع من الانتفاع بالمبيع.
وإذا فرعنا على المشهور فلينزل على الدابة إن كان راكباً، إلا أن يتعذر عليه القود، فيعذر في الركوب إلى مصادفة الخصم أو القاضي، على الخلاف المتقدم.

.المانع الرابع: زوال العيب قبل القيام به، فيسقط به حق الخيار:

إلا إذا بقيت علقته كطلاق الزوج الأمة قبل علم المشتري به، فإن ذلك لا يسقط حقه من الرد إذ تبقى علاقة الزوج بها وتعلق قلبها به. وكذلك كل ما تبقى له علقة أو لا تؤمن عودته، فإن أمنت عودته ولم تبق له علقة، فلا خيار للمبتاع في الرد به.
الصنف الثاني: ما يمنع من الرد على وجه دون وجه. وهو تغير ما يحدث في المبيع. وليس كل تغير يمنع.
فلنفصل ضروب التغير، وهو على ثلاثة أضرب:
الأول: ما يؤثر في المبيع تأثيراً بغير المقصود منه حتى يصيره كأنه ليس بالعين المبيعة.
وهذا يلحق بالعيوب المفيتة للرد على الإطلاق إذ ذلك في معنى تلف العين لأن المقصود من الأعيان المنافع.
الضرب الثاني: ما لا يؤثر تأثيراً له بال فيسقط حكمه ويكون وجوده كعدمه.
الضرب الثالث: ما يؤثر تأثيراً له بال إلا أنه لا يغير المقصود من العين. وهذا هو المقصود بالكلام عليه الآن فيكون المبتاع فيه بالخيار بين أن يتماسك بالبيع ويأخذ أرش العيب القديم، أو يرده مع أرش العيب الحادث عنده، إلا أن يقبل البائع المبيع بالعيب الحادث بغير أرش فلا يلزمه دفع الأرش إن تمسك المبتاع بالمعيب وطلب الأرش.
وحكى ابن مزين عن عيسى بن دينار أنه لا يسمع من البائع ذلك بل يبقى المبتاع على خياره.
واعلم أن هذا هو الأصل المعتبر في هذا الباب وما وقع في المذهب من الخلاف في آحاد العيوب فراجع إلى الاختلاف في دخولها تحت أي ضرب من هذه الضروب الثلاثة.
ولنذكر أمثلة لما وقع فيه الخلاف من ذلك وما نقل فيه من الروايات، فنقول:
قد ذكر في الكتاب من أمثلة الضرب الثاني الرمد والحمى والوعك. ورأى أشهب أن الحمى والوعك من الضرب الثالث. وذكر من أمثلة الضرب الثالث العمى والشلل. ورآهما ابن مسلمة من الضرب الأول. وكذلك وأي قطع ذنب البغلة المركوبة والفرس المركوب.
واختلف في عجف الدابة وهرم العبد أو الأمة، فالمشهور أن ذلك من الضرب الثالث، ورآه ابن مسلمة من الضرب الأول. وقيل في سمن الأمة الهزيلة: أنه من الضرب الثالث.
وقيل: من الثاني.
وذكر في الكتاب في كبر الصغير أنه من الضرب الأول. وذكر أيضاً أنه من الضرب الثالث.
والوطء في الثيب من الضرب الثاني على المشهور. ولو كان في البكر افتضاض لكان من الضرب الثالث، يردها وما نقصها الافتضاض.
وذكر ابن حبيب عن ابن نافع وابن وهب وأصبغ أنهم يرون الوطء في الثيبات من الضرب الأول.
وتزويج الأمة من الضرب الثالث في المشهور. وقيل: من الضرب الثاني. ورآه ابن مسلمة: من الأول.
فإذا قلنا: إنه من الضرب الثالث تفريعاً على المشهور فولدت من الزوج. فإنه يجبر نقص النكاح بزيادة الولد وقيل: لا يجبر.
فرع:
ما مضى من لزوم أرش العيب الحادث عند المبتاع إذا اختار الرد، وهو في حق غير المدلس. أما إذا كان البائع مدلساً بالعيب فإن المبتاع يرد المبيع من غير أرش للعيب الحادث عنده، إلا أن يفوت فواتاً يمنع من الرد، كهلاكه أو فوات أكثر منافعه، فيتعين أخذ أرش العيب القديم. وكذلك لو تصرف المبتاع في السلعة غير التصرف المعتاد بأن أتلفها أكثر من منافعها، كمن قطع ثوباً نفيساً قلانس أو خرفاً صغاراً أو شبه ذلك.
فأما لو تصرف فيها التصرف المعتاد، كما إذا فصلها أقمصة ونحوها مما جرت به عادة مثله في مثلها، فله الرد بغير أرش لما صنع فيها، إذ هو سلطة على هذا الفعل فيها.
ولو كان الهلاك بسبب العيب المدلس به لرجع المبتاع بجميع الثمن كمن دلس في عبد بالسرقة فسرق عند المبتاع فقطعت يده، فله رده بغير أرش للقطع.
وكذلك من دلس بالإباق، فأبق العبد عند المبتاع، فكان إباقه سبب هلاكه، مثل أن يخشى أن يدركه الطلب فيتردى من جبل فيهلك، أو يتوارى في غار، فيكون ذلك سبب هلاكه فإنه يرجع بجميع الثمن.
ولو باعه المبتاع فأبق عند المبتاع الثاني، فهلك بسبب إباقه، لرجع الثالث على الأول بجميع الثمن، إلا أن يزيد على ما دفع الثالث للثاني، فيكون له أو ينقص عنه، فيكمله الثاني.
قاله ابن القاسم، وكأنه قدر أن الثالث، وإن لم يدلس عليه من باشر البيع له، فإن المدلس على من باع منه يقدر مدلساً عليه، لأنه يقول: لو أعلمت الأوسط بالإباق لأعلمني به فلم اشتره منه، أو كان مدلساً علي، فأنت سبب إتلاف الثمن علي.
وقال أصبغ: يؤخذ الثمن من الأول، فيدع للثالث منه قيمة العيب التي يستحقها على الثاني لو انفرد به، ويسلم بقيته للأوسط.
وقال محمد: لا تأثير لتدليس الأول على الثاني إذا لم يضره، وليس له عليه شيء إلا أن يرجع عليه الثالث بالأرش، فيكون على الأول للأوسط الأقل مما غرم للثالث، أو إكمال الثمن الذي دفعه أو قيمة العيب من الثمن الذي دفعه أيضاً.
وكذلك يجب أن يكون للثالث أن يرجع ها هنا على الأول المدلس بما كان يرجع به عليه الثاني، إذا طالبه الثالث بالواجب عن الأرش. ويتم الغرض من هذا القسم بذكر فروع.
الأول: إذا ابتاع حلياً بخلاف جنسه نقداً فوجد به عيباً فما دفع البائع للمشتري في الأرش من جنس المبيع أو من سكة الثمن جاز عند ابن القاسم وأشهب.
وإن دفع ما يخرج عن جنس المبيع وسكة الثمن لم يجز عند ابن القاسم، وأجازه أشهب.
وقال سحنون: لا يجوز أن يأخذ منه شيئاً من جنس المبيع، وهي مسألة سوء لا يجوز الصلح فيها بوجه.
وسبب الخلاف: أن ابن القاسم رأى أن المبيع ما حصل في يد المبتاع من الحلي، وما أخذ منه من جنسه، وأن البيع إنما وقع بما بقي من الثمن. وعد ما أخذ كالمقبوض حالة العقد ما لم يدخلا على التأخير.
وجرى أشهب على أصله في أن الصلح إنما وقع على أن لا يرد الحلي بالعيب.
وأما سحنون فرأى أنه كصرف تأخر، لأنه دفع حلياً بالأمس مثلاً ودفع اليوم شيئاً من جنسه وأخذ عنهما جميعاً بالأمس خلاف جنسهما، وتأخر بعض الصرف لا يجوز.
الفرع الثاني:
إذا كانت الزيادة الحادثة صبغاً في الثوب، ثم اطلع على العيب، فله حبس المبيع وأخذ قيمة العيب أو رده ويكون شريكاً بما زادت الصبغة لا بقيمة الصبغة ولا بما ودى فيها، وسواء دلس في هذا أم لا. ولو كان الصبغ منقصاً لكان له ردها بغير مغرم، إن كان البائع مدلساً أو الحبس وأخذ الأرش. فإن كان غير مدلس كان كعيب حدث، وقد تقدم حكمه.
الفرع الثالث:
حيث تعين الأرش للمبتاع أو اختاره إذا ثبت له الخيار، وافتقرنا في ذلك إلى معرفة القيمة، فإنها إنما تعتبر يوم دخول المبيع في ضمان المبتاع وإن كان البيع صحيحاً.
وكذلك لو أراد المبتاع الرد مع أرش العيب الحادث لكان التقويم يوم العقد فيما يضمن بالعقد.
وقال أحمد بن المعذل: إنما يضمن ها هنا بالقيمة يوم الرد، بخلاف المسألة الأولى.
الفرع الرابع:
في تبعيض العقد من ناحية تعدد من باع أو من اشترى. وتعدد البائع لا يمنع من رد المشتري على أحد البائعين ما يخصه من المبيع والتمسك بحصة غيره، فتتعدد الصفقة بتعدد البائع. وأما تعدد المشتري فاختلفت فيه الرواية:
فقال مالك في رواية: إن أحد المشتريين يتمكن من رد نصيبه على البائع، وإن للبائع لمقالاً.
وقال في رواية أشهب: إنه لا يمكن من ذلك.
وسبب الخلاف: النظر إلى أن هذه الصفقة هل تكون في حكم الصفقتين وتتعدد بتعدد المشتري، كما تتعدد الصفقة بتعدد البائع أم لا؟.
فأما تعدد المبيع، فإن كان مما لا يفترق في العادة كالخفين والمصراعين وشبه ذلك فليس له تخصيص أحدهما بالرد وإن اختص بالعيب، بل إما ردهما جميعاً وإما أمسكهما جميعاً.
وأما ما ليس بأخ لصاحبه من العروض والحيوان والسلع وغير ذلك، فله رد المعيب منها بحصته من الثمن، وليس له رد السالم ولا هو عليه، إلا أن يكون المعيب وجه الصفقة فليس له إلا الرضى بالعيب بجميع الثمن أو رد جميع الصفقة. والمراد بوجه الصفقة ها هنا: ما زاد ثمنه على النصف من جملة الثمن.
الفرع الخامس: في النزاع في العيب، وهو في صورتين:
الأولى: في وجوده، ولا تقبل دعوى المبتاع أن بالسلعة عيباً دون أن يثبته بالمشاهدة إن كان مشاهداً أو بالبينة إن كان غير مشاهد.
الصورة الثانية: النزاع في قدمه وحدوثه. ولا يخلو أن يكون مما لا يحدث عند المشتري أو أن يكون مما يعلم أنه لم يكن عند البائع. والقول في الموضعين قول من قوي سببه منهما مع يمينه. أو أن يكون محتملاً، فيثبته المبتاع بالبينة إن وجدت.
ثم حيث كان العيب أو قدمه وحدوثه مما ينفرد أهل المعرفة بعلمه، فإن كان العدول من أهل المعرفة فهو أتم، وإن لم يوجد من يعرف ذلك من أهل العدل قبل فيه ولو غيرهم ولو كانوا على غير دين الإسلام. حكاه القاضي أبو الوليد وقال: لأن طريق هذا الخبر عما ينفردون بعلمه.
فإن لم توجد البينة فالقول قول البائع مع يمينه، إذ الأصل لزوم العقد فيحلف إني لبعته.
ويزيد فيما فيه حق توفية: وأقبضته وما به عيب. وهل يحلف على البت في الظاهر وعلى العلم في الخفي أو على العلم فيهما؟ في ذلك قولان لابن القاسم وأشهب. فإن نكل البائع حلف المشتري.
الفرع السادس: إنه إذا رد وقد كان انتفع أو استغل، فلا شيء عليه لأجل الغلة والانتفاع. وكذلك ثمرة النخل إذا كان حدوثها عنده، أو اشترى النخل وهي غير مأبورة.
وفي المأبور منها خلاف، وكذلك في صوف الغنم. وأما الأولاد والنتاج فيرد ذلك مع الأمهات.
الفرع السابع: حيث كان له أن يرد، فصرح بالرد، ثم هلك المبيع قبل وصوله إلى يد البائع فهل يكون ضمانه من البائع أو من المبتاع؟ ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث فيجعله على البائع إن حكم به حاكم، وإلا فمن المبتاع.
قال الشيخ أبو الطاهر: والخلاف في هذا على ما يقوله المتقدمون على الخلاف: هل الرد بالعيب نقض بيع فيكون الضمان من البائع على كل حال أو هو ابتداء بيع فيختلف فيه على الخلاف في اشتراط مضي قدر التسليم.
وعلى ما يقوله المتأخرون: هل هو نقض للبيع من أصله، فيكون الضمان من البائع، أو نقض له الآن، فلا يتحقق النقض إلا بوصول إلى يد بائعه؟.
قال: ولعل الخلاف مع وجود الحكم نظر إلى صفته، فإن كان الحاكم حكم بتخيير المشتري فالضمان منه، وإن حكم بالرد فهو من البائع.
الفرع الثامن: إن العهدة في الرد على البائع، إلا أن يكون وكيلاً مصرحاً بالوكالة في العقد، فتكون العهدة في الرد على الموكل لا عليه. وفي معنى الوكيل المصرح بالوكالة في العقد الطوافون في المزايدة والنخاسون، ومن يعلم أنه يبيع للناس فلا عهدة عليهم.

.الضرب الثاني: من خيار النقيصة:

ما ثبت بمغابنة في البيع خارجة عما يتغابن بمثله. وقد قال القاضي أبو محمد: اختلف أصحابنا في ذلك، فمنهم من يرى أن يثبت الخيار للمغبون منهما، ومنهم من قال: لا خيار إذا كان من أهل الرشاد والبصر بتلك السلعة، وإن كانا أو المغبون منهما بخلاف ذلك، فللمغبون الخيار.
وقال الإمام أبو عبد الله: ليس الخلاف في الغبن على الإطلاق، وإنما هو مقيد بأن يكون المغبون لم يستسلم لمن بايعه، ويكون أيضاً من أهل المعرفة بقيمة ما اشتراه، وإنما وقع في الغبن غلطاً يعتقد أنه غير غالط. فأما إذا علم القيمة فزاد عليها فهو كالواهب، أو فعل ذلك لغرض له فلا مقال له.
وكذلك إن استسلم لمبايعه وأخبره أنه غير عالم بالقيمة، فذكر له البائع ما غره به، مثل أن يقول: أعطيت فيها كذا، وقيمتها كذا، ويسمي له بائعها منه. قال الإمام أبو عبد الله: فهذا ممنوع باتفاق، غبن المستسلم لا يجوز، فإن وقع كان للمغبون مقال، كما يكون له في النجش.
ثم ذكر الإمام تعلق المثبت للخيار بقوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} وعد الاستثناء منقطعاً، وبنهيه صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، وإضاعته إتلافه بغير عوض صحيح يقتضيه العقل. قال: وأما ما اقتضاه رأي لغرض صحيح أخطأ فيه أو أصاب فغير مراد بهذا الحديث.
وأشار إلى غير ذلك، ثم نبه على سبب الخلاف بأن قال: قد تقرر أن المستسلم وإن لم يشترط ألا غبن، فإن استسلامه لمن باع منه كالشرط عليه ألا بغبنه، فاتفق على أن للمغبون مقالاً، كما أن من علم القيم فزاد عليها لا مقال له لأنه كالواهب. والمغبون غلطاً على نفسه، هل يقدر أنه كمشترط في رضاه ألا يكون غبن، فيكون له الرد أو لا يقدر اشتراطه بل يكون راضياً بما عقد عليه كيف كان فيلزمه ذلك.
فرع:
إذا قلنا بإثبات الخيار بالغبن الفاحش، فقد اختلف الأصحاب في تقديره، فمنهم من حده بالثلث فأكثر، ومنهم من قال: لا حد له وإنما المعتبر فيه العوائد بين التجار فما علم أنه من التغابن الذي يكثر وقوعه بينهم ويختلفون فيه فلا مقال فيه للمغبون باتفاق، وما خرج عن المعتاد فللمغبون فيه الخيار.
خاتمة للنظر في خيار النقيصة:
تشتمل على ذكر العهدتين، وهما صغرى في الزمان كبرى في الضمان، وكبرى في الزمان صغرى في الضمان.
فالأولى هي عهدة الثلاث من جميع الأدواء، مما يطرأ على الرقيق من نقص في بدن أو فوات عين في مدة ثلاثة أيام، وكأن هذه المدة مضافة إلى ملك البائع ولذلك تكون النفقة والكسوة عليه إلا أن الغلة ليست له. ورأى بعض المتأخرين أنها له، لأن الخراج بالضمان.
والعهدة الثانية الكبرى في الزمان الصغرى في الضمان هي عهدة السنة من الأدواء الثلاثة: الجنون، والجذام، والبرص.
وإنما قال بها مالك رضي الله عنه لجريان العمل بهما في المدينة بلد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتناقل الخلف عن السلف لهما قولاً وفعلاً إلى زمانه، كما نقل في كتابه.
وروى فيه عن أبان بن عثمان وهشام بن إسماعيل أنهما كانا يذكران في خطبهما عهدة الرقيق في الأيام الثلاثة من حين يشتري العبد والوليدة، وعهدة السنة.
والأمراء أيضاً يذكرون ذلك في المدينة على رؤوس الناس ولا ينكره أحد لكونه متقرراً في الشرع مشهوراً عندهم.
ثم تختص عهدة الثلاث بما رواه الحسن عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عهدة الرقيق ثلاث ليال.
وروي أيضاً عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عهدة الرقيق ثلاث.
وبأن الرقيق يكتم عيبه، فيستظهر عليه بثلاثة أيام حتى يتبين للمشتري ما كتم عنه. وبأنه يختص بذكر عيبه، بخلاف غيره، فيمكن أن يكون ذكر ذلك لسيده، فبادر ببيعه خوفاً أن يتبين مرضه، فجعل الثلاث أمداً لبيان ارتفاع تدليسه، كما جعلت في التصرية التي دلس بها البائع، ولأن هذه المدة هي أمد حمى الربع.
وتختص عهدة السنة بأن هذه الأدواء تتقدم أسبابها ويظهر ما يظهر منها في فصل من فصول السنة دون فصل بحسب ما أجرى الله تعالى العادة باختصاص تأثير ذلك السبب بذلك الفصل، فانتظر بذلك الفصول الأربعة، وهي السنة كلها، حتى يؤمن من هذا العيب، ومن التدليس به.
فروع في أحكام العهدة: نذكرها متتالية، فنقول:
اختلف في محلها من الأماكن. فروى المصريون أنه لا يقضى بها حيث لم تجر بها عادة حتى يحملهم السلطان عليها.
وروى المدنيون أنه يقضى بها بكل بلد، وإن لم يعرفوها ولا جرت فيهم، ويحملهم السلطان على ذلك ويحكم بها على من عرفها أو جهلها قبل التقدم بها أو بعده.
واختلف أيضاً في تداخل العهدتين:
فقيل: عهدة الثلاث تدخل في عهدة السنة. وقيل: بل يبتدئ من حين انقضائها.
واختلف أيضاً في ابتداء عهدة الثلاث. فمذهب ابن القاسم: أن الابتداء أول النهار التالي لزمن العقد، ليلاً كان أو نهاراً.
قال القاضي أبو الوليد: مقتضى مذهب سحنون الاحتساب من حين العقد من ليل أو نهار فتنقضي العهدة بالانتهاء إلى مثله بعد انقضاء الثلاث أو السنة.
هذا حكم بيع البت، فأما بيع الخيار فينزل انقضاء الخيار منزلة العقد في البت.
وإذا طرأ على المبيع أمر، فأشكل وقت حدوثه، ولم يدر أفي العهدة أو بعدها، فهل يكون ضمانه من المبتاع أو من البائع؟ مذهبان لتقابل أصلي السلامة والضمان:
فقال ابن القاسم في العبد يأبق في العهدة، وقد تبرأ بائعه من الإباق، فلم تعلم صحته ولا هلاكه: إن ذلك من المبتاع، حتى يعلم أنه أصابه في العهدة. وروى ابن نافع أن ذلك من البائع حتى يعلم أنه سلم في العهدة. وللمبتاع أن يسقط العهدة بعد ثبوت العقد، ويسقط عن البائع الضمان والنفقة، ويبرم العقد.
ولو لم يسقط العهدة، ولكنه أحدث في العبد ما يمنع رده أو يقتضي الرضى به كالعتق، ثم حدث بالعبد عيب في عهدة الثلاث: ففي كتاب محمد: تسقط بقية العهدة.
وقال أصبغ وسحنون: العهدة ثابتة، وينفذ العتق ويرجع بقيمة العيب. وروى ابن حبيب عن ابن القاسم في عهدة السنة مثل هذين القولين، وقولاً ثالثاً، وهو رد العتق. قال القاضي أبو الوليد: وهذا في عهدة الثلاث أولى.

.القسم الثالث من الكتاب: في حكم العقد قبل القبض وبعده.

ولابد من بيان حكم القبض وصورته ووجوبه.
أما الحكم فهو انتقال الضمان إلى المشتري فيما لا يضمن بمجرد العقد، إما مطلقاً وإما بشريطة مضي زمن يتسع للقبض على الخلاف فيهما.
وذلك ما فيه حق توفية من كيل أو وزن أو عدد، وما كان غائباً عن مرأى المتعاقدين حالة العقد عليه، على التفصيل المتقدم. وما بيع من الثمار على رؤوس النخل قبل كمال الطيب.
وبالجملة، فكل ما لا يضمن قبل القبض فإنه يضمن بالقبض. ويستثني من ذلك ما بيع من الرقيق، حتى يخرج من عهدة الثلاث، وما بيع من الإماء مما فيه المواضعة حتى يخرج منها.
وما سوى الرقيق من الحيوان والعقار والعروض المقصود أعيانها فالعقد عليه كاف في نقل الضمان فيه إذا كان متعيناً متميزاً.
وقال الإمام أبو عبد الله: هكذا يورد أصحابنا نقل المذهب إيراداً مطلقاً. والذي تحقق من مذهبنا أن البائع إذا أمكن المشتري من قبض المبيع فتركه اختياراً سقط الضمان عن البائع.
ويقدر بقاء المبيع في يده بعد التمكين، كقبض المشتري له ورده إليه على جهة الوديعة. قال: ومن المتأخرين من يحكي عن المذهب الاختلاف في الضمان مطلقاً، ولو كان البائع لم يمنع المشتري من القبض.
فإن قيل: هل يشترط القبض في التسليط على التصرف بالبيع وغيره؟ قلنا: أما سائر وجوه التصرفات سوى البيع فلا يقف على القبض، وأما البيع فيختلف حكمه باختلاف الأعيان المبيعة وهي ضربان: طعام وغير طعام، فغير الطعام والشراب من سائر المبيعات من العروض والعبيد والحيوان والعقار، وما ينقل ويحول أو لا ينقل ولا يحول فبيعه جائز قبل قبضه في الجملة ما لم يعرض فيه ما يمنع منه.
وأما الطعام فقد ورد النهي عن بيعه قبل قبضه، فلا يجوز فيما تعلق به منه حق توفية من كيل أو وزن أو عدد أن يباع قبل قبضه أو يعاوض عليه، إلا أن يكون على غير وجه المعاوضة كالقرض والبدل فيجوز. ثم لا يجوز لمن صار إليه ذلك أن يعاوض عليه قبل قبضه.
وأما ما ابتيع منه جزافاً أو مصبراً فبيعه جائز قبل نقله إذا خلى البائع بينه وبينه.
والمشهور من المذهب: أن المنع من بيع الطعام قبل قبضه خاص بجنس الطعام وعام فيه، فلا يعدوه إلى غيره ولا يقتصر على بعضه. ورأى ابن حبيب أنه يتعدى إلى كل ما فيه حق توفية. وأشار ابن وهب في روايته إلى تخصيصه بما في الربا من الأطعمة خاصة.
ثم حيث اشترطنا القبض، فليس لأحد أن يقبض من نفسه لنفسه، إلا من يتولى طرفي العقد كالأب في ولديه والوصي في يتيميه.
فرع:
إذا تقرر هذا، فقد أرخص في الشركة والتولية والإقالة، وينزل المشترك والمولي منزلة المشتري سواء. ولا يجوز أن يكون بين العقدين افتراق في مقدار ولا أجل ولا غيره.
وذكر القاضي أبو الفرج رواية بأن الشركة في الطعام قبل القبض لا تصح، والدين الثابت في الذمة كالعين الحاضر في جواز الاستبدال عنه في الجملة، لكن حيث أجزناه اشترطنا قبض البدل عنه في المجلس.
ويشترط في جواز بيعه من غير من هو عليه أن يكون من هو عليه حاضراً مقراً.
فروع: في حكم ضمان المبيع:
حيث قلنا: إن الضمان من البائع فتلف المبيع انفسخ العقد. وإتلاف المشتري قبض منه، وإتلاف البائع والأجنبي لا يفسخ العقد، بل يوجب القيمة.
وإذا تعيب المبيع بآفة سمائية، وكان ضمانه من البائع فللمبتاع الخيار، فإن أجاز فبكل الثمن ولا أرش له. ولو كان التعيب بجناية جاز، لكان له مطالبته بالأرش، كان البائع أو أجنبياً.
ولو كان التعيب والضمان من المبتاع لم ينفسخ العقد أصلاً.
وتلف بعض الطعام يوجب الانفساخ في ذلك القدر فقط، وسقوط قسطه من الثمن، إلا أن يكون التالف جل الصفقة، فيكون للمشتري الخيار في فسخها بكمالها. وإن استوى التالف والباقي، ففي ثبوت الخيار له في الباقي قولان. هذا حكم عقد البت.
أما عقد الخيار فالضمان فيه من البائع، إلا أن يكون المبيع بيد المبتاع، ويدعي هلاكه من غير بينة تصدقه، والمبيع مما يغاب عليه، فضمانه منه.
قال ابن نافع: إلا أن يكون الخيار للبائع خاصة، فيكون الضمان منه لاختصاص المنفعة به.
ثم إذا قلنا بالضمان، فهل يضمن بالثمن أو بالقيمة؟
أما إن كان الخيار للبائع، فعند ابن القاسم: أنه يضمن الثمن إلا أن تكون القيمة أكثر، فيطلب بها ما لم يحلف، فلا يضمن إلا الثمن. وعند أشهب: يضمن الأكثر من الثمن أو القيمة.
وأما إن كان الخيار للمشتري، فقال ابن القاسم: يضمن الثمن.
وقال أشهب: يضمن الأقل من الثمن أو القيمة، إلا أنه يحلف إذا كانت القيمة أقل وأراد أن يغرمها: لقد ضاع. فإن نكل غرم الثمن.
وسبب الخلاف: تغليب حكم البيع، أو تغليب حكم التعدي.
فرع:
من أخذ ثوبين على أن المشتري منهما واحد، فضاعا أو ضاع أحدهما: فإما أن يكون مخيراً في العقد أو التعيين بأن يكون بالخيار فيهما جميعاً، يأخذ أيهما شاء، أو يردهما. وإما أن يكون مخيراً في تعيين ما لزمه العقد فيه دون التخيير في العقد، بأن يكون أحدهما لازماً للمبتاع على كل حال ولكنه يرد الآخر. وإما أن يكون مخيراً في أحدهما في العقد والتعيين، وفي الآخر في التعيين خاصة دون العقد، بأن يكون قد لزمه أحد الثوبين، وهو بالخيار في أخذ الآخر.
فهذه ثلاث صور. أما الصورة الأولى فإن ادعى ضياعهما جميعاً، فها هنا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يضمن واحداً خاصة، وهو في الآخر أمين. قاله ابن القاسم، نظراً إلى المآل، وهو كون أحدهما مردوداً بلا بد، فهو أمانة.
والقول الثاني: أنه يضمنها جميعاً، قاله أشهب، نظراً إلى الحال دون المآل، إذ وقع العقد على أنه لن التنقل من أحدها إلى الآخر بحكم مقتضى الخيار، والمبيع بالخيار مضمون، فكأن كل واحد منهما عقد عليه بانفراده على خيار.
والقول الثالث: وهو لابن القاسم أيضاً: التفرقة، فإن كان البائع متطوعاً بدفع الآخر ابتداء منه لم يضمن المشتري إلا أحدهما، وإن سأله المبتاع في تسليمهما ليختار منهما ضمنهما. وأشار محمد إلى أنه لا فرق بين أن يقبضه المبتاع بسؤال منه، أو يتطوع من البائع لكونه إنما دفعه حرصاً على البيع.
ومعتمد ابن القاسم في التفرقة اعتبار حصول المنفعة لأحدهما، وترتيب الضمان عليه واستدل على حصولها لأحدهما بما صدر منه من ابتداء أو استدعاء.
ثم حيث قلنا بالضمان، فالواجب فيما ضمنه منهما عند ابن القاسم الثمن، على قوله في الثوب الواحد إذا اشتري بالخيار، سواء كان الخيار له أو للبائع، لأنه قادر إذا كان له الخيار على أن يقبل أو يرد، وله القبول في قيامه وتلفه، كانت قيمته أقل من الثمن أو أكثر.
وكذلك إن كان الخيار للبائع، فإن المشتري يضمنه بالثمن، لكون البائع سلمه إليه على أن عوضه الثمن الذي اتفقا عليه. فإن كانت القيمة أكثر من الثمن حلف المشتري على الضياع ودفع الثمن فقط. وأما على قول أشهب فيضمن أحدهما بالقيمة إذ لا بد من رده، والآخر بالأقل من الثمن أو القيمة، إذ هو قادر على أن يلتزمه بالثمن وعلى أن لا يسلتزمه فيرد القيمة، لكن إن كانت القيمة أقل حلف: لقد ضاع، ودفعها، لأنه أقر بأنه لم يختر الإمضاء.
وذهب ابن حبيب إلى طريقة أشهب في كون المبتاع ضامناً للثوبين جميعاً، وذكره عن أصحاب مالك.
وقال: إنه ليس بأمين في واحد منهما لما أخذهما ليختار أحدهما، لكنه إنما ضمنه إياهما بالثمن. وإن ادعى ضياع أحدهما جرى حكم ضمانه على ما تقدم.
فعلى قول ابن القاسم يضمن نصف ثمن التالف، لتردده بين أن يكون هو المشتري بالخيار فتلزمه جملة ثمنه، أو يكون هو الذي على حكم الأمانة فلا يزمه فيه شيء، فقسم الثمن لاعتوار حالتي الثبوت والسقوط عليه. وعلى قول أشهب: يضمن الضائع كله، لأنه يضمنهما جميعاً إذا ضاعا. قال أشهب في غير كتاب محمد، فإن أخذ الباقي كان عليه بالثمن والتالف بالقيمة، وإن رده فعليه التالف بالأقل من الثمن أو القيمة.
وإذا فرعنا على قول ابن القاسم أنه يغرم نصف التالف، فله عنده أن يختار كل الباقي.
وقال محمد: ليس له أن يختار إلا نصفه.
وسبب القولين: تغليب حكم التلف أو تغليب حكم الإمساك.
وأما الصورة الثانية فتجري على الخلاف المتقدم. فعلى قول ابن القاسم: يضمن واحداً.
وعلى قول أشهب وابن حبيب: يضمن الاثنين. وعلى قول ابن القاسم الآخر: يضمن الراغب منهما، على ما تقدم.
فإن شهدت البينة بالضياع فلا بد من ضمان واحد، لأنه لازم للمبتاع، ويحلف في الثاني. على قول ابن القاسم: لا ضمان فيه.
وأما على أصل أشهب القائل بأن ما أخذ على الضمان لا يرتفع ضمانه بقيام البينة فيضمن، وإن ضاع أحدهما فقولان.
أحدهما: أن التالف منهما، والسالم بينهما، وعليه نصف ثمنها.
والقول الثاني: إنه يلزمه نصف التالف، وله أن يرد الباقي. فجعله بمنزلة ما إذا أخذهما، ليختار في العقد والتعيين.
وأما الصورة الثالثة: فإن ضاعا ضمنهما إن لم تقم بينة. فإن قامت بينة بضياعهما ضمن واحد بغير خلاف في المذهب. وعلى مذهب ابن القاسم يسقط عنه ضمان الآخر. ويضمنه على مذهب أشهب. فإن ضاع أحدهم جرى الأمر في ضياعه على ما تقدم.
ويشترط في هذه الصور الثلاث، إذا كان قد وجب عليه أخذ أحد الثوبين تساوي الثمنين.
فإن اختلفا كان من بيعتين في بيعة، فيضمن حينئذ ضمان المبيع بيعاً فاسداً.
وأما صورة: القبض فتحكم فيه العادة، وهو فيها متنوع. بتنوع المبيعات. فأما المكيل والموزون فيعتبر فيهما الكيل والوزن.
وفي اعتبار قدر المناولة في انتقال الضمان خلاف، سببه: هل المطلوب مجرد معرفة المقدار، وقد حصل، أو التوفية للمشتري، ولم تحصل؟
وثمرته: الحكم باستصحاب الضمان أو انتقاله إذا هلك المبيع بعد امتلاء المكيال واستواء الميزان.، وقبل التفريغ في وعاء المشتري، إذ فيه قولان مبنيان على الخلاف المتقدم.
والمعتبر في المعدود العد.
وأما في العقار فتكفي التخلية. وكذلك في ما بيع على الجزاف. وما سوى ذلك، فعلى حسب العادة فيه.
وأما وجوب التسليم فيعم الطرفين، لكن بأيهما يكون الابتداء؟
قال القاضي أبو الحسن: يقوى في نفسي على المذهب أحد أمرين: إما أن يجبر المبتاع على التسليم، ثم يؤخذ من البائع الثمن، أو يقال لهما: أنتما أعلم: إما أن يتطوع أحدكما على الآخر، فيبدأ بالتسليم، أو تكونا على ما أنتما عليه. قال: وأن يجبر المبتاع أقوى.

.القسم الرابع من الكتاب: في موجب الألفاظ المطلقة في البيع:

وتأثيرها فيه بمقتضى اللغة أو العرف:
وهي ثلاثة: الأول: ما يطلق في العقد.
فمن اشترى شيئاً بمائة، فقال لغيره، قبل القبض أو بعده في الطعام أو غيره. وليتك هذا العقد، فقد انتقل الملك إليه بالمائة. وهو ملك متجدد، وتسلم الغلات المستجدة للأول، وتتجدد الشفعة بجريان هذا البيع. وهو حط عن المولي بعض المائة لحق الحط المولى، لأنه في حق الثمن كالبناء وفي حق نقل الملك كالابتداء.
ولو قال: أشركته في هذا العقد على المناصفة، كان تولية في نصف المبيع. ولو لم يذكر المناصفة لنزل على الشطر على المنصوص لابن القاسم.
الضرب الثاني: ما يطلق في الثمن من ألفاظ المرابحة.
فإذا قال: بعتك بربح للعشرة أحد عشر أو اثني عشر أو أكثر من ذلك، على هذا النسق،
فلا خلاف أنه يحتسب لكل عشرة وزنها في الثمن أحد عشر أو اثني عشر بحسب ما يقوله.
فإن باع بوضيعة: للعشرة أحد عشر أو أكثر من ذلك فللمتأخرين قولان: أحدهما: أنه يأخذ عن كل أحد عشرة عشرة وبحسب ما سمي.
والثاني: أنه يقسم العشرة على أحد عشرة جزءاً فيحط ذلك الجزء من الثمن. وعلل ذلك بأنها لفظة فارسية، تفسيرها بالعربية ما ذكرناه من التقدير. وإن باع بوضيعة للعشرة عشرين، فكل عشرين وزنها يأخذ عنها عشرة، ويحط نصف الثمن باتفاق المتأخرين.
وإن قال: بعتك بما قامت علي، استحق مع الثمن ما بذله من أجرة القصارة والكماد والطراز والخياطة والصبغ، وشبه ذلك مما له عين قائمة، ويستحق له قسطه من الربح إن سمى لكل عشرة ربحاً. فأما ما ليس له عين قائمة إلا أنه يؤثر في السوق زيادة فيه وتنمية للثمن، فإنه يستحقه. لكن لا يستحق له قسطاً من الربح وذلك كالإنفاق وكراء الحمولة.
ولا يستحق ما خرج عن القسمين كأجرة الطي والشد وكراء البيت ونفقة البائع على نفسه، مالكاً للمال كان أو مقارضاً فيه، وأجرة السمسار كذلك.
وقال بعض المتأخرين: أجرة السمسار لا بد منها، فكان القياس أن تحسب ويحسب لها الربح وإن لم تكن عيناً قائمة.
ويشترط معرفة المبتاع بما اشترى به أو ما قامت به عليه. فإن كان مجهولاً عنده لدى العقد بطل عقده، ويجب على البائع حفظ الأمانة بالصدق في قدر ما اشترى به، وبالإخبار عما طرأ في يده من عيب منقص أو جناية، ويلزمه الإخبار عن الغبن بالعقد ويقدم تاريخ الشراء، وعن كل ما لو علم به المبتاع لقلل علمه به رغبته في الشراء. ولو نقد غير ما عليه عقد وجب عليه التبيين. ويجب ذكر تأجيل الثمن.
وأما إن اغتل من ذلك ماله غلة من ربع أو حيوان فليس عليه أن يبين ذلك إذا لم يطل زمان ولا حالت الأسواق. وأما إن طال زمان أو حال سوق، فليبين.
وأما الصوف يجزه فليبين، لأنه إن لم يكن يوم التبايع نابتاً فقد طالت مدة البيع وإن كان نابتاً فله حصة من الثمن، فلا بد من البيان على كلا الوجهين. فإن قيل: فلو كذب البائع في الثمن؟.
قلنا: أما في قيام السلعة، فيخير المبتاع بين أخذها بجميع الثمن أو ردها إلا أن يحط البائع الكذب وربحه فالتزم المبتاع. فإن أبيا ما جعل لكل واحد منهما انفسخ البيع بينهما.
وفي المبسوط عن عبد الملك بن الماجشون: لا يلزمه البيع بحطيطة الكذب وربحه.
وأشار إلى أن الإطلاع على كذبه يشعر بخبث مكسبه، والمشتري يكره معاملة من كان كسبه خبيثاً.
وفرق بعض المتأخرين فقال: إن اطلع على كذبه من غير أن يأتي متنصلاً كان كما قال عبد الملك، وإن أتى متنصلاً فلا يكون للمبتاع مقال.
وأما في الفوت فعلى المبتاع قيمتها يوم قبضها، إلا أن يكون ذلك أكثر من الثمن بالكذب وربحه فلا يزاد عليه، أو يكون أقل من الثمن الصحيح وما قابله من الربح فلا ينقص منه.
وروى علي: أن البائع مخير بين أخذ الربح على ثمن الصحة، وبين أخذ قيمتها، إلا أن يشاء المبتاع أن يثبت على ما اشتراها به، فإن أبى فعليه القيمة يوم ابتاعها، إلا أن تكون القيمة أكثر من الثمن بالكذب وربحه، فلا يزاد عليه، أو أقل من الثمن الصحيح وما قابله من الربح فلا ينقص منه.
وقيل: أن الواجب مع فوت السلعة طرح الكذب وربحه من غير التفات إلى القيمة.
وقدر قائل ذلك أنه العدل بين هذين المتبايعين.
ثم فوت السلعة يكون بالزيادة والنقصان. وفي كون حوالة الأسواق فوتاً قولان: سببهما النظر إلى صحة البيع فيلحق بالعيوب الموجبة للرد أو النظر إلى أن المآل في هذا فساد، فيلحق بالبيوع الفاسدة.
وعلى هذا أيضاً القولان في القيمة متى تكون؟ هل يوم البيع إلحاقاً له بالبيع الصحيح أو يوم القبض إلحاقاً له بالبيع الفاسد؟
ولو كانت السلعة مما يكال أو يوزن لكانت كالقائمة يرد مثلها صفة ومقداراً إن لم يرض بها بجميع الثمن إلا أن يحط عنه البائع الكذب وما قابله من الربح، فيلزمه على المشهور كما تقدم.
ولو غلط في الثمن بنقصان، وصدقه المشتري على ذلك أو قامت به بينة لخير المبتاع بين أخذها بما صدقه عليه مع ربح ذلك، أو تركها. إلا أن يتركها له البائع بالثمن الأول وما يقابله من الربح. وإن تراضيا على غير ذلك جاز، فاعلم.
الضرب الثالث: ما يطلق في المبيع. وهو في غرضنا ستة ألفاظ.
الأول: لفظ الأرض، وتندرج تحتها الأشجار والبناء، كما تندرج هي تحت البناء والأشجار، ولا يندرج الزرع إن كان ظاهراًَ، كمأبور الثمار، ويندرج إن كان كامناً، على إحدى الروايتين. والحجارة إن كانت مخلوقة في الأرض اندرجت، وإن كانت مدفونة فلا، إلا على القول بأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها.
اللفظ الثاني: البستان. وفي معناه الحديقة والجنان، وهو يستتبع الأشجار.
اللفظ الثالث: الدار. ولا تندرج تحته المنقولات. وتندرج الثوابت، وما أثبت من مرافق البناء كالأبواب والأشجار والرفوف والسلالم المثبتة بالمسامير.
اللفظ الرابع: العبد. ولا يتناول مال العبد، وإن كان المذهب أنه يملك، ويتناول ثيابه التي عليه، إذا كانت تشبه مهنته.
فرع:
قال الشيخ أبو إسحاق: ولو شرط في الأمة تسليمها عريانة، لم ينفعه شرطه، وعليه مواراتها.
اللفظ الخامس: الشجر. وتندرج تحته الأغصان والأوراق وكذلك العروق. ويستحق الإبقاء مغروساً. فإن كان عليها ثمرة مأبورة لم تندرج تحته. وغير المأبورة تندرج. وفي معنى المأبورة كل ثمرة انعقدت وظهرت للناظرين.
فرع:
لو تأبر شطر الثمار حكم بانقطاع التبعية فيه دون الشطر الذي لم يؤبر. وإن تأبر أكثرها حكم بانقطاع التبعية في الكل.
وروي أن غير المؤبر يتبع، وإن كان الأقل.
وقال عبد الملك ما بيع من النخل التي لم تؤبر وفيه طلع، فإن كان حين باعه قد تبلح طلعه وظهر إغريضه وبلغ مبلغ الإبار في غيره، فثمره في عامة ذلك للبائع، إلا أن يستثنيه المبتاع، وإن كان لم يبلغ هذا المبلغ فهو للمبتاع استثناه أو لم يستثنه.
وليس لمشتري الأشجار أن يكلف البائع قطع الثمار، بل له الإبقاء إلى أوان القطاف، ولكل واحد أن يسقي الأشجار إذا كان يحتاج إليه إن لم يتضرر صاحبه بذلك.
اللفظ السادس: بيع الثمار في رؤوس النخل.
وموجب إطلاقه بعد الزهو استحقاق الإبقاء إلى أوان القطاف كما تقدم. وأما قبل الزهو فيصح العقد بشرط القطع ويبطل شرط التبقية، لأنها تتعرض للعاهات، فلا يوثق بالقدرة على التسليم حال القطاف.
واختلف في صحة العقد، إذا وقع عرياً عن الشرطين على قولين سببهما الخلاف في إطلاق العقد: هل يقتضي التبقية فيبطل كما في اشتراطها، أو القطع فيصح كاشتراطه؟
والأول: رأي البغداديين في حكايتهم عن المذهب، وتابعهم عليه الشيخ أبو محمد وأبو إسحاق التونسي ومن وافقهما من المتأخرين.
والثاني: هو ظاهر الكتاب عن أبي القاسم بن محرز وأبي الحسن اللخمي ومن وافقهما من المتأخرين استقراء من قوله في كتاب البيوع الفاسدة من اشترى ثمرة نخل قبل أن يبدو صلاحها فجدها قبل بدو صلاحها، البيع جائز إذا لم يكن في أصل البيع شرط أن يتركها حتى يبدو صلاحها.
ووجه هذا القول صرف الإطلاق إلى العرف الشرعي كما بعد الزهو، ولأن التبقية انتفاع بملك آخر لم يشترط ولم يقع البيع عليه.
فرعان: الأول: إذا اشترى الثمرة والشجرة في صفقتين، فبدأ بالشجرة ثم اشترى الثمرة قبل الزهو، صح البيع، وكان كما لو اشتراهما معاً وكانت الثمار معها في حكم البيع. وقيل: لا يصح، وبه أخذ ابن عبد الحكم والمغيرة وابن دينار.
وإذا فرعنا على المشهور، فله أن يبقيها عليها، ولا يجب القطع ولا يفسد به البيع.
ولو باع الشجرة وبقي الثمرة لم يجب اشتراط القطع، لأن المبيع هو الشجرة، ولا خوف فيها، وكذلك لو باع الشجرة مع الثمرة لم يشترط القطع لفقد العلة المذكورة.
الفرع الثاني:
بدو الصلاح في البعض كاف، لكن يشترط اتحاد الجنس، ولا يشترط اتحاد النوع، ولا البستان بل يباع بطيب الحوائط المجاورة له، لأن الكل في معنى الحائط الواحد إذا هدم الجدار الفاصلة يجعل الكل حائطاً واحداً. وقيل: بل يشترط اتحاد البستان.
وقال القاضي أبو الحسن: إذا بدا الصلاح في جنس من الثمار في بستان في نخلة أو في بعضه ولو عذق في نخلة منه، جاز بيعه كله بطيب البعض، وجاز بيع ثمر النخل الذي في البساتين حولها كلها وفي ذلك البلد، وإن لم يطب فيها غير الذي طاب في ذلك البستان إلا أن يكون الذي طاب في ذلك البستان من الجنس المبكر الذي يتقدم فلا يباع غيره بطيبه.
وهذا القول يرجع إلى إقامة وقت بدو الصلاح مقام نفسه.
ولو كانت الأشجار مما يطعم بطنين في سنة، ففي جواز بيع البطن الثانية يبدو صلاح الأولى قولان، المشهور منهما المنع.
وصلاح الثمار بأن يطيب أكلها، ويأخذ الناس في الأكل، وتظهر مبادئ الحلاوة.
وليحذر من الربا، فلا تباع الثمار بجنسها. فلو باع الحنطة في سنبلها بالحنطة، فهي المحاقلة المنهي عنها، وهي ربا. ولا يمكن الكيل في السنابل. وفي معنى الحنطة كل ما لا يجوز بيعه بها متفاضلاً. وكذلك لو باع الرطب بالتمر فهي المزابنة المنهي عنها.

.كتاب العرايا:

وقد استثنى عنها العرايا.
ووجه استثنائها وبيان محل الرخصة يتضح بالنظر في حقيقتها وقدرها ومحلها وكيفية بيعها وعلتها.
فأما حقيقتها، فقال القاضي أبو محمد: هي أن يهب الرجل ثمرة نخلة أو نخلات من حائطه. قال القاضي أبو الوليد: وهذا الحد إنما يجري على مذهب أشهب وابن حبيب، دون مذهب ابن القاسم. وسنبين وجه ما ذكره عند الكلام على الزكاة والسقي:
وأما قدرها، فلا يزاد على خمسة أوسق. وفي الخمسة روايتان:
رواية المصريين: الجواز. وروى القاضي أبو الفرج تخصيص بما دون خمسة أوسق.
وسبب الخلاف: شك الراوي. ففي المشهور: جعل الخرص أصلاً إلا في محل تيقناً فيه المنع. وفي رواية أبي الفرج: بقاء على أصل المنع، حتى يتيقن النقل عنه.
وإذا تقرر المنع فيما زاد عليها، فلو تعدد المشتري أو البائع لجاز، وإن اتحد الشق الآخر، فإن اتحدا وتعددت الحوائط وقد أعراه من كل حائط قدر العرية، فقال الشيخ أبو محمد: هي كالحائط الواحد لا يشتري من جميعها أكثر من خمسة أوسق. وتابعه على ذلك أبو بكر بن عبد الرحمن.
وقال الشيخ أبو الحسن: يجوز أن يشتري من كل واحد خمسة أوسق.
وقال أبو القاسم بن الكاتب: إن كانت العرايا بلفظ واحد فهي كالحائط الواحد، وإن كانت بألفاظ في أزمان متغايرة، فيجوز أن يشتري من كل واحد خمسة أوسق.
وأما محلها من الثمار فالنخل والعنب محل ورودها. واختلفت الرواية في القصر عليها أو التعدية. والرواية المشهورة تعديتها إلى ما ييبس ويدخر من الثمار. وجعلوا ذلك علة الحكم في محل النص، وناطوا الحكم به وجوداً وعدماً، حتى قالوا: لو كان البسر مما لا يتمر والعنب مما لا يصير زبيباً لم يجز اشتراء العرية منه بخرصها، بل تخرج عن محل الرخصة لعدم العلة.
وأما كيفية بيعها، فبيعها جائز بالدنانير والدراهم والعروض ونحو ذلك من المعري وغيره، كانت قليلة أو كثيرة، مما ييبس ويدخر، أو مما لا ييبس ولا يدخر. وإنما محل الرخصة في بيعها مما يختص به المعري أو من ينزل منزلته في ملك بقية ثمن الحائط، ببيع أو هبة أو ميراث من شرائها ممن أعراها أو ممن انتقلت إليه عنه بأحد الأوجه المذكورة بخرصها من جنسها يقبضها عند الجداد، فهذا محل الرخصة في بيعها.
وأما علة الرخصة، فقال ابن الماجشون: هي رفع الضرر عن المعري بدخول المعري الحائط وتكراره إليه لأجلها.
وقال غيره: العلة قصد المعروف والإحسان. وعلل مالك وابن القاسم بهما جميعاًَ.
ويتخرج على تحقيق العلة فروع:
الأول: شراء المعري بعض العرية.
الثاني: شراء العرية وإن كانت جملة الحائط، إذا لم تتجاوز جملته خمسة أوسق.
الثالث: إذا أعرى جماعة شركاء في حائط عرية؛ فهل يجوز لأحدهم أن يشتري من المعري ما يخصه من العرية أم لا؟
فابن الماجشون يمنع في هذه الفروع أن يشتري العرية بخرصها، ويراها خارجة عن محل الرخصة. وغيره يجيز ذلك.
فرعان: الأول: في حوز العرية.
ولما كانت عطية تبطل بموت المعطي قبل حوزها، افتقر إلى بيان الحوز فيها.
وقد روى ابن حبيب: أن الحوز فيها إنما يتم باجتماع أمرين: أن يكون فيها ثمرة، وأن يقبضها، لا يتم الحوز إلا بمجموعها.
وقال أشهب في كتاب محمد: إن الحوز يتم بأحد أمرين: الإبار أو تسليم الرقبة.
الفرع الثاني:
في الزكاة والسقي.
وقد اختلف فيهما، فقال ابن حبيب: زكاة العرية والهبة وسقيهما على المعطي.
وقال غيره: بل على المعطى.
وقال سحنون: بل على من كانت الأصول بيده.
وفرق ابن القاسم بين العرية والهبة، فجعلها في العرية على المعري، وفي الهبة على الموهوب له. وإلى هذا أشار القاضي أبو الوليد عند ذكره لحد العرية. قال: ومعنى العرية عنده أن يعطيه الثمرة على وجه مخصوص، وهي أن يكون على المعري ما يلزمها إلى وقت بدو صلاحها، وهو وقت يمكن الانتفاع بها. وإطلاق الهبة عنده لا يقتضي هذا وإنما يقتضي أن ذلك يلزم الموهوب له من يوم الهبة، ففرق في ذلك بين الهبة والعرية. ولذلك قال عن مالك: إن زكاة العرية على المعري، وزكاة الثمار الموهوبة على الموهوب له.
وقال: فرق مالك بينهما في الزكاة والسقي.
وقال أشهب: زكاة العرية على المعري كالهبة، إلا أن يعريه بعد الزهو.
قال القاضي أبو الوليد: ويلزمه مثل ذلك في السقي، قال: وقد قال محمد: إنه لا خلاف بينهم أن السقي على المعري.
ولعله أراد أنه لم ير لهم خلافاً ولا رأى فيها وفاقاً.
وسبب الخلاف: النظر إلى هاتين العبارتين: هل هما مشعرتان عرفا بالتزام ذلك.
فيلزمان المعطي كما قال ابن حبيب، أو هما غير مشعرتين بذلك، فيرجع إلى الأصل في عدم الالتزام كما قال الثاني، أو يختص لفظ العرية بالإشعار بذلك دون لفظ الهبة، فيفترق الحكم فيهما كما قال ابن القاسم؟.
وأما سحنون فرأى أن متولي القيام هو المخاطب بالزكاة لأنه لما وليها مع علمه بوجوب الزكاة فيها، فكأنه التزمها، ويخرج على هذا الخلاف حكم ما إذا كانت العرية جملة ثمر حائط.
فإن قلنا: إنها على المعري، أخرج من الحائط. وإن قلنا: إنها على المعري، أخرج من غيره، لأن ثمرته استحقت بالعطية. وكذلك لو كانت العرية دون خمسة أوسق، فإنه يراعى في وجوب الزكاة فيها كمال النصاب من غيرها في ملك من أوجبنا الزكاة عليه منهما. هذا تمام الكلام على جواز بيع الثمار.